صعوبة تجاهل البنوك المركزية للعملات الرقمية

عرب بت إن الازدهار في العملات الرقمية المشفرة والتكنولوجيا الكامنة وراءها أصبح كبيرًا جدًا بالنسبة للبنوك المركزية، التي طالما كانت الوصي على المال الرسمي. وحتى وقت قريب، كان المسؤولون في البنوك المركزية الرئيسية سعداء بالمشاهدة كرواد في هذا المجال القائم على التجربة والخطأ. وهم على دراية بأنهم كانوا مخدوعين بقيمة 5 تريليون دولار من التداول اليومي في أسواق العملات التقليدية. ولكن الآن عندما يتحول المسؤولون نحو هذه التكنولوجيا المتسارعة بشكل متزايد، فإن الخطر يكمن في قيامهم بالتفاعل بشكل متأخر جدًا مع المنعطفات والفرص التي تتيحها النقود الرقمية. حيث قال اندرو شنغ كبير مستشاري لجنة تنظيم البنوك الصينية وزميل المعهد الآسيوي العالمي بجامعة هونج كونج أن “البنوك المركزية لا تستطيع تحمل تكاليف التعامل مع العملات الرقمية وكأنها مجرد ألعاب للعب في صندوق رمل”. وأضاف “لقد آن الأوان لأن ندرك أنهم البرابرة الحقيقيون عند هذه البوابة”.

 

كما تشكل البيتكوين – أكبر وأشهر العملات الرقمية – وأقرانها خطرًا على نظام المال المعمول به من خلال التحايل عليه بشكل فعال. حيث إن المال كما نعرفه يعتمد على سلطة الدولة من أجل المصداقية، مع وجود بنوك مركزية تدير سعره و كميته. لكن من ناحية أخرى فقد قامت العملات الالكترونية بتغطية كل هذا، وبدلًا من ذلك فإنها تعتمد على تكنولوجيا من المفترض أنها غير قابلة للاختراق من أجل ضمان القيمة.

 

 

الدور الرئيسي للصين

في حال أنهم لم يتمكنوا من السيطرة على البيتكوين وأمثاله من العملات الالكترونية، بالإضافة إلى قيام المزيد من الناس بتبني هذه العملات، فإنه من الممكن أن ترى البنوك المركزية تقلصًا في سيطرتها على عرض النقود. وقد يكون الحل في القول القديم المأثور، إذا كنت لا تستطيع التغلب عليهم، فقم بالانضمام إليهم. لذلك قام بنك الشعب الصيني بتشغيل تجريبي لنموذج من العملات الالكترونية، مما يجعلها خطوة أقرب إلى كونه أول بنك مركزي رئيسي يقوم بإصدار المال الرقمي. كما أطلق بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي مشروعًا بحثيًا مشتركًا يدرس إمكانية استخدام دفتر الحسابات الموزع Blockchain – التكنولوجيا التي تدعم العملات المشفرة – في البنية الأساسية للسوق. وقد أنشأ البنك المركزي الهولندي العملة الالكترونية الخاصة به -للتداول الداخلي فقط – بهدف بناء فهم أفضل لكيفية التعامل معها.  حيث قال بن برنانكي، الرئيس السابق للمجلس الاحتياطي الاتحادي الذي قال سابقًا أن العملات الرقمية تظهر “وعدًا كبيرًا على المدى الطويل”، أنه سيكون المتحدث الرئيسي في مؤتمر البلوكشين والمصرفية في أكتوبر والذي تستضيفه شركة الريبل، الشركة الناشئة وراء رابع أكبر عملة رقمية.

 

كما أبدت روسيا أيضًا اهتمامها بالاثيريوم، وهو ثاني أكبر عملة رقمية، حيث قام البنك المركزي بنشر برنامج بلوكشين تجريبي. وفي الولايات المتحدة، يدرس كل من البنوك والهيئات التنظيمية تكنولوجيا دفتر الحسابات الموزع، فقد قدم مسؤولو البنك الاحتياطي الفيدرالي خطابين رسميين حول هذا الموضوع خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، لكنهما أعربا عن تحفظات بشأن العملات الرقمية نفسها.

 

المشاكل السياسية

قال محافظ البنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول في آذار / مارس أن هناك “قضايا سياسية هامة” تتعلق بالعملات الرقمية تحتاج إلى مزيد من الدراسة، بما في ذلك التعرض للهجمات السيبرانية والخصوصية والتزوير. كما حذر من أن العملة الرقمية للبنك المركزي قد تعيق الابتكارات من أجل تحسين نظام المدفوعات الحالي.  وفي الوقت نفسه، من الواضح أن المصرفيين المركزيين يشعرون بالقلق إزاء المخاطر التي تشكلها العملات البديلة – بما في ذلك عدم الاستقرار المالي والاحتيال. ومن الأمثلة على ذلك: انهيار منصة “Mt. Gox” للتبادل بشكل مذهل في عام 2014 بعد الكشف عن أنها فقدت ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من البيتكوين. ولكن بالنسبة إلى جميع عملياتها النظرية، فقد كان أوصياء المال الرسمي يقفون إلى حد كبير مع هذه العملات في الوقت الذي تم الكشف عنها فيه. بالإضافة إلى أن الانفجار في دعم العملة الأولي، أو ICO، هو الدليل، حيث قام المستثمرون بضخ مئات الملايين من الدولارات في سوق العملات الرقمية خلال هذا العام فقط.

 

وتقدر قيمة أكبر 20 عملة الكترونية بحوالي 150 مليار دولار، وفقًا لبيانات من Coinmarketcap. فقد ارتفعت عملة البيتكوين نفسها أكثر من 380 في المئة هذا العام وبلغت رقمًا قياسيًا – ولكنها من جهة أخرى فإنها عرضة للتقلبات القاسية، مثل التراجع بنسبة 50 في المئة الذي حصل في نهاية عام 2013. وقال دانييل هيلر، زميل زائر في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ورئيس سابق للاستقرار المالي في البنك الوطني السويسري: “على الصعيد العالمي، هناك حاجة ملحة للوضوح التنظيمي نظرًا لنمو السوق”.

 

 

المصلحة الذاتية

بدلًا من محاولة تنظيم عالم العملات الافتراضية، فإن البنوك المركزية تحذر بشكل رئيسي من المخاطر وتحاول الحصول على بعض المزايا من تكنولوجيا الدفاتر الموزعة لأغراضها الخاصة، مثل تطوير نظم المدفوعات. كما وصف كارل لودفيغ ثيل، عضو مجلس إدارة بنك بوندسبانك الألماني، أن البيتكوين “ظاهرة محورية” ولكن تكنولوجيا البلوكشين هو الأكثر إثارة للاهتمام في حال كان من الممكن تبني هذه التكنولوجيا لاستخدامها من قبل البنك المركزي. وفي تموز / يوليو، قال ايوالد نوتني النمساوي أنه منفتح تجاه هذه للتكنولوجيات الجديدة ولكنه لا يعتقد أنه من شأنها أن تؤدي إلى عملة جديدة، وأن التعامل في البيتكوين هو عبارة عن “مقامرة” فعالة.

 

ومن الممكن أن يكون هناك جانب من السياسة النقدية ينبغي النظر فيها أيضًا. حيث قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي يان سمتس في ديسمبر أن العملة الرقمية للبنك المركزي يمكن أن تمنح صانعي السياسات المزيد من الفرص عندما تكون أسعار الفائدة سلبية. فقد شعر صانعو السياسات منذ فترة طويلة بالقلق من أنهم إذا قاموا بتخفيض أسعار الفائدة بشكل كبير جدًا، فإن الناس سيكتسبون النقود ببساطة. ويبلغ سعر الفائدة على الودائع لدى البنك المركزي الأوروبي حاليًا سالب 0.4 في المئة. بالإضافة إلى أن هناك بنوك مركزية أخرى تنظر لاستخدام تكنولوجيا دفتر الحسابات الموزع، ولكنهم قلقون بشأن تجاوزات الأموال الافتراضية في ما إذا كان يمكن وضعها خارج النظام الرسمي – مثل غسل الأموال الجنائي وبيع السلع غير المشروعة. ناهيك عن المخاطر التي يمكن أن تشكلها العملات الافتراضية لبقية النظام المالي في حال كانت مجرد فقاعة أوشكت على الزوال.

 

 

الوعود الكبيرة

حذر محافظ بنك انكلترا مارك كارني – الذي قال أن البلوكشين يحمل “وعودًا كبيرة” – المنظمين في هذا العام من أجل الحفاظ على بقائهم في قمة التطورات الجديدة في مجال التكنولوجيا المالية، في حال كانوا يريدون تجنب أزمة مشابهة لتلك التي حصلت في عام 2008. وبينما ألقت منصة Mt. Gox  بظلالها على البيتكوين في اليابان، أصبح لديها الآن العديد من المؤيدين في ثالث أكبر اقتصاد في العالم. حيث أقر البرلمان قانونًا في شهر أبريل من هذا العام، يصنف هذه العملة كوسيلة قانونية للدفع. كما استثمرت أكبر البنوك اليابانية في منصات تبادل البيتكوين والأسهم الصغيرة المرتبطة بالعملات الإلكترونية أو التكنولوجيا الكامنة وراءها، مما جعلها في هذا العام تبدو وكأنها نالت رضا بعض تجار التجزئة. ومع وكالة الخدمات المالية في البلاد المسؤولة عن تنظيم البيتكوين، سيبقى البنك المركزي الياباني يبذل جل تركزه على دراسة تكنولوجيا دفتر الحسابات الموزع.

 

 

عدم جاهزية البنوك المركزية لذلك

قال شياو قنغ، أستاذ المالية والسياسة العامة بجامعة هونج كونج “إن البنوك المركزية ليست مستعدة بعد لتنظيم العملات الرقمية، ولكن عليهم أن يفعلوا ذلك في المستقبل لأن العملات الرقمية غير المنظمة تبقى عرضة للجريمة والمضاربة من النوع البونزي”.

 

ومن المؤكد أن جذب العملات الرقمية بالنسبة للكثيرين لا يزال مجرد تكهنات، وأنه ليس للأسر أو الشركات التي تشتري وتبيع السلع. فقد قال سوميت أغروال من جامعة جورج تاون، الذي كان في السابق كبير الاقتصاديين الماليين في البنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو: “إنها مجرد موضة عابرة وسوف تنهار، وسيقوم باستخدامها أقل من 1 في المئة من المستهلكين كما سيقبلها عدد قليل من التجار”. وأضاف “حتى اذا تمكنا من جعل العملة الرقمية آمنة فإنه ما زال أمامها العديد من العقبات”.

 

 

 

Comments are closed.