علم التشفير المؤسسي : البلوكشين النموذج الجديد للقرن القادم

عرب بت  في حين أن علم التشفير هو بالفعل حقل بحث نابض بالحياة، إلا أنه يجب ألا يتم ترك دراسة البلوكشين فقط لعلماء الكمبيوتر والباحثين.  حيث يثير طرح تكنولوجيا البلوكشين أسئلة معقدة في مجالات عديدة مثل الاقتصاد والسياسة العامة والقانون وعلم الاجتماع والاقتصاد السياسي. كما أن ما نسميه بـ “علم التشفير المؤسسي” يبدأ من فرضية بسيطة، وهي أن البلوكشين ليست مجرد تقنية جديدة للأغراض العامة، بل هي تقنية مؤسسية جديدة. فالتكنولوجيات ذات الأغراض العامة تتيح لنا القيام بما نفعله عادة بشكل أفضل وأسرع وأرخص، حيث ينظر الاقتصاديون إلى تقنيات الأغراض العامة (مثل الطاقة البخارية أو شبه الموصلات) كمحركات كبيرة للنمو الاقتصادي. وليس هناك أي شك في أن البلوكشين هي تكنولوجيا للأغراض العامة، ولكنها أيضًا أكثر من ذلك بكثير.

 

والأفضل قول أن البلوكشين هو آلية جديدة لتنسيق النشاط الاقتصادي وتسهيل التعاون بين الأفراد. فيتيح فرصًا جديدة للتبادل والتعاون وبناء المجتمعات المحلية التي كانت مغلقة في السابق بسبب ارتفاع تكاليف المعلومات وتكاليف المعاملات.

 

الفكر القديم

بوجود تقنية مؤسسية جديدة، فإننا نتوقع أن البلوكشين سوف يقوم بتعطيل النشاط الاقتصادي والتنظيم الاجتماعي وتحوّلهما. علمًا أن علم التشفير المؤسسي هو إطار تحليلي جديد لدراسة تلك العملية التطورية. وفي المقام الأول، نعتقد أن نهج تكاليف المعاملات من أوليفر ويليامسون – الذي فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد في عام 2009 – هو الإطار النظري المثالي لفهم تقنية البلوكشين. حيث كان ويليامسون مهتمًا في المقام الأول بفهم قرارات “الشراء” أن تصنعها الشركات لديها. فهل من الأفضل شراء المدخلات في السوق المفتوحة أم إنتاجها داخليًا؟

 

فقد يحدد هذا الخيار حدود الشركة، التي حددت بدورها هياكل الحوافز التي يواجهها صناع القرار. وبالتالي فإن أحد المحددات الرئيسية لحدود الشركة هي “الانتهازية” أو “المصلحة الذاتية مع السعي بدهاء” وهي وصف ويليامسون للسلوك البشري. كما أن الجمع بين الانتهازية وخصوصية الأصول (التي تشير إلى مدى سهولة إعادة بيع الاستثمار أو إعادة تخصيصه لاستخدام آخر) يعني أن السلوك الاقتصادي المعقد يجب أن يحدث في الشركات الكبيرة. وهذا يعني ضمنيًا الحاجة إلى استثمار رأس مال كبير من المال. فقد رأينا هيمنة الرأسمالية للمساهمين في القرنين التاسع عشر والعشرين.

 

النموذج الجديد 

يكسر البلوكشين هذه العلاقة بين الحجم والانتهازية وخصوصية الأصول. وذلك من خلال القضاء على الانتهازية إلى حد كبير (كونها تكنولوجيا “غير موثوق بها”)، حيث يسمح البلوكشين بنشر الأصول المحددة في الشركات الصغيرة التي لا تدعمها كميات كبيرة من رأس المال المالي وإنما كميات كبيرة من رأس المال البشري. وهذا بدوره يتيح حوافز السوق لاختراق أعمق في هياكل الشركة من أجل حل مشاكل إنتاج الفريق.

إعادة تعريف الجذري

أما بالنسبة للعديد من الصناعات، فسوف يقوم البلوكشين بإعادة تعريف جذري لحدود الشركة، مما يسمح للأفراد بمبادلة مواهبهم ومهاراتهم في بيئة خالية من الأعمال التجارية الكبيرة. فقد تم التنبؤ بانهيار شركة عامة كبيرة من قبل، ولكن هذه المرة نعتقد أن هذه التنبؤات ستكون واضحة بالنسبة للعديد من الصناعات إن لم يكن معظمها. ولكن من جهة أخرى، فإن تراجع رأس مال المساهمين سوف يكون له أثر في الارتداد عبر الاقتصاد والمجتمع نفسه. بالإضافة إلى أنه سيضع ضغوطًا جديدة على العمالة، وعدم المساواة، والسلطة السياسية، والدولة التنظيمية. كما أنه سيفتح فرصًا جديدة هائلة، بحيث يمكن أن يساعدنا إطار ويليامسون أيضًا على فهم كيفية تغيير البلوكشين – وتعزيزه – من حيث توفير التأمين، وتوفير السلع العامة، وتوفير الهوية وحمايتها. فكثيرًا ما يقال إننا في بداية “ثورة البلوكشين”، وذلك لأن علم التشفير المؤسسي سيقدم طريقة مثيرة لفهم ملامح النظام القديم الذي على وشك أن نفقده، والنظام الذي قد يأخذ مكانه أيضًا.

Comments are closed.